الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.أخبار خراسان بعد مهلك خوارزم شاه. قد كنا قدمنا مهلك خوارزم شاه ومسير هؤلاء التتر المغربة في طلبه ثم انتهائهم بعد مهلكه إلى النواحي التي ذكرناها وكان جنكزخان بعد اجفال خوارزم شاه من جيحون وهو بسمرقند قد بعث عسكرا إلى ترمذ فساروا منها إلى كلات من أحصن القلاع إلى جانب جيحون فاستولوا عليها وأوسعوها نهبا وسير عسكرا آخر إلى فرغانة وكذلك عسكرا آخر إلى خوارزم وعسكرا آخر إلى خوزستان فعبر عسكر خراسان إلى بلخ وملكوها عل الامان سنة سبع وستمائة ولم يعرضوا لها بعيث وانزلوا شحنتهم بها ثم ساروا إلى زوزن وميمنة وايدخوي وفارياب فملكوها وولوا عليها ولم يعرضوا لاهلها بأذى وانما استنفروهم لقتال البلد معهم ثم ساروا إلى الطالقان وهي ولاية متسعة فقصدوا قلعة صوركوه من أمنع بلادها فحاصروها ستة أشهر وامتنعت عليهم فسار إليهم جنكزخان بنفسه وحاصرها أربعة أشهر أخرى حتى إذا رأى امتناعها أمر بنقل الخشب والتراب حتى اجتمع منه تل مشرف على البلد واتسيقن أهل البلد الهلكة واجتمعوا وفتحوا الباب وصدقوا الحملة فنجا الخيالة وتفرقوا في الجبال والشعاب وقتل الرجالة ودخل التتر البلد فاستباحوها ثم بعث جنكزخان صهره قفجاق قوين إلى خراسان ومرواسا وقاتلوها فامتنعت عليهم وقتل قفجاق قوين فأقاموا على حصارها وملكوها عنوة واستباحوها وخربوها ويقال قتل فيها أزيد من سبعين ألفا وجمع عددا من الجثث فكان كالتلال العظيمة وكان رؤساؤها بني حمزة بخوارزم منذ ملكها خوارزم شاه تكش فعاد إليها اختيار الدين جنكي بن عمر بن حمزة وبوعمه وضبوطها ثم بعث جنكزخان ابنه في العساكر إلى مدينة مرو واستنفر أهل البلاد التي ملكوها قبل مثل بلخ واخواتها وكان الناجون من هذه الوقائع كلها قد لحقوا بمرو واجتمع بها ما يزيد على مائتي ألف وعسكروا بظاهرها لا يشكون في الغلب فلما قاتلهم التتر صابروهم فوجدوا في مصابرتهم ما لم يحتسبوه فولوا منهزمين وأثخن التتر فيهم ثم حاصروا البلد خمسة أيام وبعثوا إلى أميرها يستميلونه للنزول عنها فاستأمن إليهم وخرج فاكرموه أولا ثم أمروا باحضار جنده للعرض حتى استكملوا وقبضوا عليهم ثم استكتبوه رؤساء البلد وتجاره وصناعه على طبقاتهم وخرج أهل البلد جميعا وجلس لهم جنكزخان على كرسي من ذهب فقتل الجند في صعيد واحد وقسم العامة رجالا وأطفالا ونساء بين الجند فاقتسموهم وأخذوا أموالهم وامتحنوهم في طلب المال ونبشوا القبور في طلبه ثم أحرقوا البلد وتربة السلطان سنجر ثم استلحم في اليوم الرابع أهل البلد جميعا يقال كانوا سبعمائة ثم ساروا إلى نيسابور وحاصروها خمسا ثم اقتحموها عنوة وفعلوا فيها فعلهم في مرؤ وأشد ثم بعثوا عسكرا إلى طوس وفعلوا فيها مثل ذلك وخربوها وخربوا مشهد علي بن موسى الرضا ثم ساروا إلى هراة وهي من أمنع البلاد فحاصروها عشرا وملكوها وأمنوا من بقي من أهلها وأنزلوا عندهم شحنة وساروا لقتال جلال الدين بن خوارزم شاه كما يذكر بعد فوثب أهل هراة على الشحنة وقتلوه فلما رجع التتر منهزمين اقتحموا البلد واستباحوه وخربوه وأحرقوه ونهبوا نواحيه وعادوا إلى جنكزخان بالطالقان وهو يرسل السرايا في نواحي خراسان حتى أتوا عليها تخريبا وكان ذلك كله سنة سبع عشرة وبقيت خراسان خرابا وتراجع أهلها بعض الشيء فكانوا فوضى واستبد آخرون في بعض مدنها كما نذكر ذلك في أماكنه والله أعلم..أخبار السلطان جلال الدين منكبرس مع التتر بعد مهلك خوارزم شاه واستقراره بغزنة. ولما توفي السلطان خوارزم شاه محمد بن تكش بجزيرة بحر طبرستان ركب ولده البحر إلى خوارزم يقدمهم كبيرهم جلال الدين منكبرس وقد كان وثب بها بعد منصرف تركمان خاتون أم خوارزم شاه رجل من العيارين فضبطها وأساء السيرة وانطلقت إليها أيدي العيارين ووصل بعض نواب الديوان فأشاعوا موت السلطان ففر العيارون ثم جاء جلال الدين واخوته واجتمع الناس إليهم فكانوا معهم سبعة آلاف من العساكر أكثرهم اليارونية قرابه أم خوارزم شاه فمالوا إلى أولاغ شاه وكان ابن أختهم كما مر وشاوروا في الوثوب بجلال الدين وخلعه ونمى الخبر إليه فسار إلى خراسان في ثلثمائة فارس وسلك المفازة إلى بلد نسا فلقى هنالك رصدا من التتر فهزمهم ولجأ فلهم إلى نسا وكان بها الاسير اختيار زنكي بن محمد بن عمر بن حمزة قد رجع إليها من خوارزم كما قدمناه وضبطها فاستلحم فل التتر وبلغ وبعث إلى جلال الدين بالمدد فسار إلى نيسابور ثم وصلت عساكر التتر إلى خوارزم بعد ثلاث من مسير جلال الدين فأجفل أولاغ واخوته وساروا في اتباعه ومروا بنسا معهم اختيار الدين صاحبها واتبعتهم عساكر التتر فأدركوهم بنواحي خراسان وكبسوهم فقتل أولاغ شاه وأخوه انشاه واستولى التتر على ما كان معهم من الأموال والذخائر وافترقت في أيدي الجند والفلاحين فبيعت بأبخس الاثمان ورجع اختيار الدين زنكي إلى نسا فاستبد بها ولم يسم إلى مراسم الملك وكتب له جلال الدين بولايتها فراجع أحوال الملك ثم بلغ الخبر إلى جلال الدين بزحف التتر إلى نيسابور وأن جنكزخان بالطالقان فسار إلى نيسابور ومن نيسابور إلى بست واتبعه نائب هراة أمير ملك ابن خال السلطان خوارزم شاه في عشرة آلاف فارس هاربا أمام التتر وقصد سجستان فامتنعت عليه فرجع واستدعاه جلال الدين فسار إليه واجتمعوا فكبسوا التتر وهم محاصرون قلعة قندهار فاستلحموهم ولم يفلت منهم أحد فرجع جلال الدين إلى غزنة وكانت قد استولى عليها اختيار الدين قربوشت صاحب الغور عندما ساروا إليها عن جلال الدين صريخا عن أمس ملك سجستان فخالفه قربوشت إليها وملكها فثار به صلاح الدين النسائي وإلى قلعتها وملك غزنة وكان بها رضا الملك شرف الدين بن أمور ففتلك به رضا الملك واستبد بغزنة فلما ظفر جلال الدين بالتتر على قندهار رجع إلى غزنة فقتله وأوطنها وذلك سنة ثمان عشرة.
|